تكريم لبلبة
من الممكن أن نختصر مشوار "لبلبة" فى جملة واحدة هى (سرق الفن حياتها).. لكنها سرقة ساحرة كما تعترف هى. سرقة تتوافق مع محبتها لعالم أكثر اتساعا و تنوعا من عالم الأسرة و البيت و الأولاد..و لذلك لا تندم على أنها ليست أما فى الحياة, فقد أنجبت فى عالم الفن و اصبحت من خلال السينما خطيبة و حبيبة و زوجة و أما و قامت بكل الأدوار التى لم تعشها فى حياتها الحقيقية. و حين يتسائل هل هذا قدر أم أختيار نكتشف أنها التى أغوت الفن بسرقتها حيث سطعت موهبتها كطفلة فى الخامسةفغطت على المتقدمين لمسابقة فى الغناء و الرقص ذهبت اليها مع أسرتها ذات يوم و لم ترضى بمقاعد المتفرجين الصامتين فانطلقت من مقعدها تغنى و ترقص و تقلد و هو ما جعلها تنتقل الى المسرح و تفوز و تحظى بموعد مع المخرج "نيازى مصطفى" فى اليوم التالى تحصل من خلاله على أسمها الفنى هبه من المؤلف "ابو السعود الأبيارى" و معه عقد فيلمها الأول (حبيبتى سوسو)..و منذ هذه اللحظة الفارقة لم تتوقف "لبلبة" التى كانت "نونيا" عن العمل فى السينما, صحيح أنها عملت فى لسنوات فى الغناء الخفيف و تقليد نجومه و المشاركة فى حفلات (اضواء المدينة) فى زمن كانت الأذاعة المصرية هى حلم كل من يحلم بالغناء, و كانت فقرتها تسبق ظهور "عبد الحليم حافظ" غالبا لتفؤله بها, الا أنها توقفت عن الغناء و أخلصت للسينما وحدها, ثم توقفت عن الزواج ايضا بعد زواجها الوحيد القصير, لرفضها مجرد فكرة اعتزال السينما ممن تقدموا لزواجها, و ليصبح الفن هو المعادل لحياتها, و السينما هى رفيق الحياة, و فى تأمل رحلتها معها نكتشف مراحل متعددة مرت بها حتى أصبح رصيدها 84 فيلما كان أخرها (عائلة ميكى) عام 2008 للمخرج "أكرم فريد" و فيه قدمت دور أم عاملة تشقى لأجل أولادها الشباب الذين يستجيبون مثل غيرهم للنزوات و الأنفلات المجتمعى... "لبلبة" قبل أن تصل الى دور أم الشباب توقفت بعد مرحلة الطفولة الأولى عند أدوار البنت الشقية و الطيبة, و أبنة العائلة المحافظة, و أيظا المتفتحة, و قدمت كل الطبقات فى أفلامها مع "حسن الصيفى" و "حسين أمام" و "محمود ذو الفقار" و "حسام الدين مصطفى" ثم قفزت مع "حسين كمال" فى (مولد يا دنيا) الى منطقة جديدة من الأدوار و مع "محمد عبد العزيز" بدأت دويتو فنى متناغم مع "عادل أمام" و أيضا "سمير سيف" مهمة, تم أكتشافها كممثلة للأدوار الصعبة مع "عاطف الطيب" قبل ان تدخل عالم "يوسف شاهين" ثم تغير جلدها الفنى مع "أسامة فوزى" و بعده "محمد أبوسيف" و "عمر عبد العزيز"... و بعد كل هذا المشوار و العطاء تلبى - و لأول مرة – دعوة للعمل فى الدراما التليفزيونية, مع "عادل أمام" رفيق السينما الجميلةفى مسلسل (صاحب السعادة) عام 2014 و الذى أضاف اليها مساحة جديدة من الأبداع و النجاح ساهما فى أضغاء السلام النفسى و التوازن لفنانة أعتبرت الفن هو رفيق حياتها.
ا/ماجدة موريس
تكريم فايز غالى
للمرة الأولى في هذه الدورة من مهرجان الاقصر للسينما المصرية والأوروبية نفتقد زميلنا وصديقنا السيناريست المبدع فايز غالي الذي رحل عن عالمنا خلال العام الماضي ، وإلى حد كبير سنفتقد وجوده الصاخب الذي يتلازم معه دائما ، مجاهرته برأيه في كل ما يخص الأخرين ، أو يتنازل ولو للحظة عما يعتبره حقن متلكن له ، أو يضع إعتبارا لم يسمى بالمسافة (القنفذية ) بين البشر بمعنى انك إذا فردت أشواكك فراعي ألا تدخل في أجساد من حولك...
هكذا كان فايز وهكذا ايضا كانت أفلامه التي كانت تعبيرا حيا على عن هذه الحالة ، وأن يجد فيها منفذا كبيرا لمشاعره الجامحة ومواقفه الصاخبة تجاه عالم لا أتصور فيه أن فايز شعر بالتوائم معه على أي نحو كان ... لذلك لم يكن غريبا أن يكن فايز غالي هو رفيق الرحلة للمرحلة الجديدة في السينما المصرية منذ نهاية السبعينات وحتى التسعينات مرورا بمرحلة الثمانينات...إنه كاتب السيناريوهات الأولى للافلام الاولى لهذا الجيل ،لأول وأفضل فيلم لهشام أبو النصر "الاقمر" عام ١٩٧٨ ولاول فيلم لمحمد خان "ضربة شمس" عام 1980, ثم عملا معن في فيلم "الثأر" عام ١٩٨٢، و"فارس المدينة" عام ١٩٩٢ وكذلك الفيلم الأول لخيري بشارة من ناحية العرض وهو "العوامة ٧٠" عام ١٩٨٢ والذي كان بمثابه التقديم الحقيقي لمخرجه ، ثم عمل معه في فيلم أخر من أهم أفلامه "يوم مر ويوم حلو" عام ١٩٨٨ ، كذلك الحال مع طارق العريان في فيلمه الأول "الامبراطور" عام ١٩٩٠...ولعله عمر لا يخلو من دلالة أن تكن هذه الأفلام الأولى لهؤلاء المخرجين من فرسان السينما المصرية بمثابة إعلان مدوي عن وجودهم وعن ظهور سينما جديدة في مصر...
عمل فايز غالي أيضا مع عدد أخر من المخرجين في عدد من أفلامهم الهامه مثل أشرف فهمي في فيلم "إمرأة تحت المراقبة" عام ٢٠٠٠ وإنعام محمد علي في أهم أفلامها "الطريق إلى ايلات " عام ١٩٩٤ ، ولكن حلمه الكبير الذي لم يتحقق كان فيلمه عن السيد المسيح اذ قد السنوات الأخيرة من حياته وهو يحول انجازه ، إنة ليس مجرد فيلم عن السيد المسيح ضمن عشرات أو مئات الأفلام التي صنعت عنه ، ولكنه فيلم مسيحنا نحن المصريين ، فبلاعتمد على سطرين وردا في أحد الأناجيل الأربعة "إنجيل متى" ، وبتجميع قصة المسيح ورحلة العائلة المقدسة في مصر خلال كافة الرويات التي حكيت عنها ، ولعل بعدها من خلال الخيال الشعبي المصري عن مسيحه ألمخلص ، كتب فايز غالي سيناريو هذا الفيلم الذي يعد رؤية جديدة ستضيف كثيرا للأفلام المنجزة عن حياة السيد المسيح وتلقي اضواءا جديدة عليه ، أضواء شعب حلم به وصاغ وجدانه الشعبي من خلال روايته أو على الأصح شهاده ضميره عنه ...رحل عنا فايز غالي ولكن أصداء صخبه وقضاياه واسئلته الأبدية التي ظل الكثير منها بلا إجابة ستظل تتردد في كل مكان تواجد فيه ومن بينها مهرجاننا هذا ، أما اعماله نفسها بكل ما تطرحه فتظل باقية كعلامة هامة لا في أعمال مخرجيها فحسب بل في السينما المصرية كلها .
د. محمد كامل القليوبى